الرحلة الأخيرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أخي/أختي في الله :
أحييك بتحية أهل الجنة جعلنا الله وإياك من أهلها وبارك الله في عمرك وشبابك ومد في أجلك على طاعته
سلام الله عليكم و رحمة الله وبركاته, أما بعد :
لعلك أن تسمحي بجزء من وقتك لكي تتعرفي على رحلة ليست ككل الرحلات وسفر ليس ككل الأسفار إنها
الرحلة الأخيرة
[color=#ff0000]أخي/أختي العزيزة :
في هذه الحياة الدنيا يسافر الإنسان ويقطع المسافات البعيدة إما راكباً السفن التي تعبر به عباب البحار العميقة والأمواج المتلاطمة, راكباً السيارات التي تسير به من بلد إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى .
والمسافر بعد ما ينتهي سفره يرجع إلى بلاده وموطنه طالت المدة أو قصرت, فهذه حال الدنيا و حال المسافرين ، أما رحلتنا هذه فليت إلى أمريكا أو أوروبا أو أدغال أفريقيا ، وليست رحلة إلى باريس أو جنيف أو لندن أو إلى باقي بلاد الدنيا .
إنها حلة تختلف , لأن السفر فيها طويل , والزاد فيها قليل , والبحر عميق فعلى ربان السفينة أن يحكموها ويقدروا لهذا السفر قدره .
هل تعلمين ما هذه الرحلة؟
إنها رحلة من الدار الفانية إلى الدار الباقية .... رحلة لا رجعة فيها
فقد تبدأ الرحلة هذه الليلة ؟؟.. وقد تكون غداً أو بعد غد...
قال تعالى : (( كل نفسٍ ذائقة الموت)) & آل عمران &.
وتبدأ هذه الرحلة عندما تنزل ملائكة من السماء لقبض روحك وأنتِ في هذه الدنيا قد انشغلت وغفلت عن الموت وسكراته , غصصه , وكرباته , وشدة نزعه , حتى قيل : ‘ن الموت أشد من ضرب السيوف , ونشر المناشير , وقرض بالمقاريض, لأن ألم الضرب بالسيف أو النشر أو غيرهما إنا يؤلم لتعلقه بالروح فكيف إذا كان الجذوب والمنتزع هو الروح نفسها.
ألا تعلمان أخي / أختاه : أنه ينزل ملائكة من السماء بيض الوجوه , كأن وجوههم الشمس نعهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة , ينزلون بالبشرى من الله _ سبحانه وتعالى _ للعبد المؤمن.
فبماذا يبشرونه:
قال تعالى: (( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا و أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا الدنيا وفي الأخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تعدون)) & فصلت &
زعن هاني ملى عثمان بن عفان_رضي الله عنه_ قال: ((كان عثمان إذا وقف على قبر بكى , حتى يَبُلَّ لحيته, فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي , وتبكي من هذا ؟ فقال : إن رسول الله صلى عليه وسلم , قال : (( القبر أول منازل الآخرة, فإن ينج منه فما بعده أيسر منه, و إن لم ينجُ منهُ , فما أشدُّ منه)). قال : وقال رسول الله صلى عليه وسلم ك (( ما رأيت منظراَ قطّ إلا و القبر أفظع منه)) إسناده صحيح رواه الإمام أحمد
أخي/أختي :هل تخيلتما القبر؟هل تخيلت عندما توضعين في قبرك لوحدك وتردُّ لك الروح ويأتيك ملكان شديدا الانتهار, فينهرانك, ويجلسانك فيقولان لكِ:من ربك؟ ما دينك؟ وما تقولين في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ نسأل الله الثبات في ذلك الموقف العظيم. فإذا كنتِ من أهل الخير ثبتك الله – سبحانه وتعالى – وفتح لكِ باباَ إلى الجنة فيأتيك من روحها وطيبها , ويفسح لكِ في قبرك مد بصرك .و إذا كنت خلاف ذلك فرش لك من النار وفتح لكِ من النار باب إلى النار, فيأتيكِ من حرها وسمومها , ويضيق عليك قبرك حتى تختلف أضلاعكِ , ثم يقيض لك أعمى , أصم , أبكم في يده مرزبة ! لو ضرب بها جبل كان تراباً, ثم يعيدك الله كما كنت, فيضربكِ ضربة أخرى فتصيحي صيحة يسمعها كل شيء إلا الثـقليـن (الإنس والجن), ثم يفتح لك باب من النار , وتمهدي من فرش النار, فــتــقولين: رب لا تقم الساعة.
نعوذ بالله من عذاب القبر, و ظلمته ووحشته وغربته
هذه حالة أهل البرزخ, حالة أهل القبور حالة من تتلى عليه آيات الله فيصر مستكبراً كأن لم يسمعها. ألا يليت شعري كيف بك في اول ليلة في القبر .الله المستعان
أخي / أختاه: أرأيت كيف تخلى عنك كل شيء في هذه الحياة الدنيا . أين أبوك؟ أين أمُك ؟ أين خروجك للأسواق؟ ((إن الأسواق هي ابغض البقاع إلى الله والشيطان ينصب رايته فيها وهي مواطن الفتن)) أين الفساتين ؟ أين المساحيق؟ أين السهرات ؟ أين العكوف على الفضائيات ومتابعة الأفلام والمسلسلات؟ اين المجلات ومتابعة الموضة والموديلات؟ أرأيت الجميع قد تخلى عنك , وأصبحت رهينة عملك في قبرك: (( كل نفس بما كسبت رهينةٌ)) &المدثر&
أين الدنيا بأسرها ؟ أين الدنيا وأهلها؟
يا مــــــــــن بدنياه اشتغل وغره طول الأمــــــل
المـــــــــــــوت يأتي فجأة والقبر صندوق العملأخي / أختاه: اقرئي هذه الآيات ثم سلي نفسك بعدها.
قال تعالى (( ويَوْمَ تَشَقُّقُ السّماءُ بالْغَمامِ وَ نُّزِّ ل الملائكة تنزيلاً الملكُ يومئذٍ الحقُّ للرحمنِ وكان يوماً على الكافرين عسيراً ويوم يعضُّ الظّالمُ على يديهِ يقول يا ليتني لم اتخذَّ فلاناً خليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطانُ للإنسان خذولاُ)) & الفرقان &.
أخيه تدبري:نزول الملائكة , وتطاير الصحف ,والميزان, وضرب الصراط على متن جهنم والناس حفته عراة. أقول : سلي نفسك ماذا أعددت لهذا اليوم؟؟
فتخيلي عندما ينادى على اسمك على رؤؤس الخلائق. أين فلانة بنت فلان؟ وأنت تعلمين أنك المقصودة والمطلوبة , أنت لا غيرك , لا اشتباه في الأسماء , والأنساب.
قال تعالى: (( وكُلُّهُم آتيه يوم القيامة فرداً)) &مريم&.
فما شعورك عندما تتخطين الصفوف والملائكة قد آتت بكِ قال تعالى (( وجاءت كل نفسٍ معها سائق وشهيد)) &ق&
ما شعوركِ وأنتِ قد وقفتي أمام الجبار؟ أمام الواحد القهار, أمام الملك, أمام رب العالمين, الذي هو مطلع على كل كبيرة وصغيرة لا تخفى عليه خافيه. قال تعالى:يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية18&الحاقة&
ماذا تقولين إذا سألكِ عن عمركِ ماذا عملتِ فيه في هذه الحياة الدنيا؟ قال تعالى:أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون115فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم116&الفرقان&
ألم يمتن عليكِ ويختاركِ من بين البشر ويجعلك موحدة في قلبك: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وقد حرم منها الكثير, الكثير من البشر, وكفى والله بها من نعمة, كفى بالإسلام نعمة وفضلاً ومنه نسأل الله-سبحانه وتعالى- الثبات على هذا الدين العظيم.
ألم يخلقكِ من العدم؟ وأسبغ عليكِ سائر النعم؟ ألم يرزقكِ نعمة السمع , والبصر, والصحة, والمال, والأهل والأولاد, وقد حرم منها الكثير؟
أبشري أخي / أختاه...أبشري...أبشري بهذه البشارة من رب العالمين من أرحم الراحمين.
قال تعالى:قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم53وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون54 &الزمر&
قال رسول الله
( لله أشد فرحاً بِتوبة عبده))رواه مسلم
قال
( إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار, ويبسط يداه بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها )) رواه مسلم
قال رسول الله
(إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يُغَرْغِرْ)) رواه الترميذي وقال حديث حسن
ماذا تنتظرين ؟ ماذا تنتظرين؟قال تعالى ((ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثيرٌ منهم فاسقون )) 16 &الحديد &
هل تؤجلين التوبة حتى تبلغي سن الستين أو السبعين فمن يضمن لك أن تبلغي ذلك السن ؟هبي أنكِ بلغتي سن الستين أو السبعين فهل توفقين للتوبة أو يحال بينك وبينها ؟
لا تقولي غدا أتوب فقد لا تدركي الغد, لقد رأيت شمس اليوم فقد لا تشرق عليك شمس غد .
[color:09a1=#ff0000:09a1]أخي / أختاه : احمدي الله – سبحانه وتعالى –أنكِ لا تزالين تعيشين إلى هذه اللحظة ولستِ من أهل القبور فكل يوم تعيشينه في هذه الحياة الدنيا هو واللهِ مكسب لكِ , إما أعمال صالحات تقربك إلى الله , وإما ذنوبٌ و أوزار وآثامٌ تتخلصين منها , فما ضنك أن أصحاب القبور يتمنون؟ فهل يتمنون الرجعة للدنيا لأجل الأموال, والدور والقصور ؟
لا والله إنهم يتمنون الرجعة إلى هذه الحياة الدنيا لأجل تسبيحه أو تهليله أو تكبيره أو سجدة تكتب في صحيفة أحدهم لما رأوا وتيقنوا من الثواب العظيم, فلا تغتري بصحتك وشبابك , ومالكِ , وحسبكِ , وقبليتكِ, ولا تغتري بحِلمِ الله عليكِ فتتداركي رحمكِ الله ما بقي من عمرك , فاليوم عملٌ بلا حساب , و غداً حسابٌ بلا عمل .
فالأعمار محدودة , والأنفاس معدودة فبادري بالتوبة الصادقة النصوح وتخلصي من الذنوب والآثام وأعلمي أن التوبة تجب ما قبلها , وأن التائب من الذنب كمن لا تذنب له وأن السيئات تبدل حسنات فابدئي صفحةً جديدة بيضاء مشرقة , وميلاداُ جديداً وحياة سعيدة, واعلمي أن لكِ رباً غفوراً يقبل التوبة ويعفو عن السيئات, أعانكِ الله و وفقكِ ويسر أمرك في الدنيا والأخرة .
قال تعالى: (( إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً70((الفرقان)).
عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله : ((إغتنم خمساً قبل خمسٍ: حياتك قبل موتكَ, وصحتكَ قبل سقمك, وفراغك قبل شغلك, وشبابك قبل هرمك, وغناك قبل فقرك)) صحيح الجامع الصغير (1088)
جعلنا الله وإياكم مِن مَن يستمعون القول
فيتبعون أحسنه .....
قال تعالى ( (وذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين ))